«الصندوق الملياري» لمبادري المشروعات الصغيرة يحتاج لدعم إداري ولوجستي

تمثل المشروعات الصغيرة والمتوسطة أهم الركائز لنجاح التنمية في الكويت، حيث زادت اهتمامات الشباب المبادرين بفكرة إنشاء مشروع صغير يدعم الاقتصاد الوطني ويقويه، ويفيد المبادر في الوقت ذاته. وقد تمت الموافقة على انشاء الصندوق الوطني لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة برأسمال قدره 2 مليار دينار لدعم أفكار الشباب من المشاريع الجديدة. «الأنباء» استطلعت آراء خبراء واقتصاديين متخصصين حول امكانية دفع عجلة الصندوق «الملياري» وأهميته في تطوير وتنمية أفكار الشباب والمبادرين للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، حيث أجمعوا على أن يكون الصندوق داعما من الناحية الفكرية والإدارية وليس المادية فقط.
بداية، قال النائب في مجلس الأمة أحمد لاري ان النائب السابق عادل الصرعاوي كان له دور كبير في إنشاء هذا الصندوق، حيث قام بطرحه في مجلس 2009 وتم تبنيه من مجموعة من الأعضاء في المجلس المبطل 2012 وتمت الموافقة عليه في المجلس وإحالته للحكومة وتمت اعادته، لأنه كانت هناك مادة بحاجة الى تعديل.
وأضاف لاري ان المجلس الجديد تبنى الاقتراح مرة أخرى لتعديل هذه المادة، معربا عن أمله في ان تعطيه الحكومة الاهتمام اللازم لتطبيق التعديل الجديد لأن الهدف منه تمكين الشباب الكويتي من الدخول في المشاريع الخاصة ودعمهم، حيث يفتقر الشباب للأفكار ورأس المال والجهة التي تمنح الدراسات والاستشارات.
وزاد لاري بالقول: «بالتالي فإن الجهة الداعمة ستسهل على المبادرين والشباب الإجراءات الروتينية الحكومية وتوفر لهم القروض الميسرة وأيضا توفر لهم الأرض والمكان الذي من الممكن ان يبدأوا منه مشاريعهم».
ولفت الى ان الكويت لديها مشكلة أساسية تتمثل في قضية الضغط على التوظيف والباب الأول من الميزانية المتعلق بالرواتب، مشيرا الى ان وضع ملياري دينار في صندوق وطني لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة من شأنه أن يكون استثمارا في الثروة البشرية قبل ان يكون للأمور الاقتصادية.
وقال لاري ان من ضمن آليات الصندوق انه سيكون داعما للشباب الا انه لا بد ان تقدم لهم الاستشارات والدراسات ذات الجدوى، وسيدخل الصندوق مع المبادرين في شراكة بنسبة معينة وسيساعد في أمور التسويق والدعايات الإعلانية، وسيعتمد الصندوق على المبادرات والأفكار الناجحة للمشاريع المقدمة.
من جانبها، قالت وزيرة التجارة والصناعة السابقة د.أماني بورسلي ان الشباب والمبادرين ليسوا بحاجة فقط الى دعم مادي، ولكن أيضا لدعم معنوي وإداري وفني بالإضافة الى الحصول على حوافز حكومية وتوفير العنصر المادي لدعم المبادرات والمشاريع.
وأشارت د.بورسلي الى انه يجب ان يرافق عملية وجود الصندوق مظلة تحفز جميع المبادرات سواء التي ستحصل على مصدر التمويل من الصندوق او غيرها، ففي النهاية اذا لم يستطع المبادر ان ينجح في مشروعه فسيتحمل عبئا ماديا لتسديده وفي حال تكبد المشروع خسائر فإن هناك مخاطر سيتحملها المبادر.
وأضافت انه بشكل عام لا بد ان يكون هناك جهاز متكامل لدعم الحوافز الحكومية لكل المبادرات سواء التي ستحصل على تمويل من الصندوق الملياري او خارج اطار الصندوق، لأن كل الدول حتى الكويت ليست بحاجة الى الصندوق بقدر ما تكون هناك آليات لتكون الحكومة ضامنا لهذه المشاريع بطريقة او بأخرى.
وقالت د.بورسلي انه من الممكن ان يحصل صاحب المبادرة على قرض من البنوك حسب النظام البريطاني او من الممكن ان تضمن الحكومة 50% او 75% من القرض نفسه، مضيفة ان المشكلة عالمية وليست فقط في الحصول على مصدر مادي او مبلغ لتمويل المشروع وانما هي أكبر بكثير.
وبينت انه بشكل عام ان خطوة الصندوق بتحفيز الشباب على الدخول والاقدام على المشاريع جيدة، ويجب ان تكون هناك خطوات تتماشى مع الممارسات العالمية وتكون مظلة شاملة.
وبالنسبة لقطاع الصناعة قالت د.بورسلي الى انه يجب ان تكون هناك بنية تحتية لعملية تسهيل الحصول على المصانع وغيرها ومشكلة الصناعيين ليست فقط المادة انما الأراضي.
وفي السياق نفسه، قالت الوكيلة المساعدة السابقة لشؤون قطاع السياحة في وزارة الإعلام نبيلة العنجري ان الكويت بلد سباق في ايجاد سبل لتشجيع وتعزيز دور المشروعات الصغيرة والمتوسطة، لذلك أنشأت أول صندوق للمشاريع الصغيرة عن طريق الشركة الكويتية لتطوير المشروعات الصغيرة في بدايات الثمانينيات.
وأشارت الى ان الأمور المادية ليست القضية، ولكن صاحب المشروع الصغير لا يعرف ما هو المشروع الصغير الحقيقي الذي يبدأ به، مبينة ان كل شخص لديه فكرة يذهب إلى شركة تمويل تزوده بالمال الا ان الشركة لا تقدم الدعم الفني والاداري لذلك كان هناك الكثير من الاخفاقات وكثير من المشاريع تعثرت نتيجة عدم وجود إشراف على مدى فترة إنشاء المشروع.
وزادت العنجري انه من المفترض ان صاحب المشروع يدير مشروعه بنفسه ولكن المشروع صاحبه كويتي والعاملين به غير كويتيين فلذلك اصبح المشروع لا يؤدي الغرض الحقيقي من انشائه وهو متابعة صاحب المشروع للمشروع بنفسه.
واضافت انه مع تضخم عدد الموظفين في القطاع الحكومي وارتفاع البطالة المقنعة حاليا فلا بد من ايجاد سبل لسحب الشباب او طالبي العمل من داخل العمل الحكومي إلى الخارج وخاصة بعد الازمة الاقتصادية العالمية التي ثارت ايضا على انتقال العمل الى القطاع الخاص.
وقالت العنجري ان صندوق دعم المشاريع الصغيرة يشكل مجالا حقيقيا لبناء مؤسسي للتشجيع على المشاريع الصغيرة.
وشددت على انه يجب ان تكون هناك خطة مدروسة لإيجاد جهات عالمية لديها خبرات واسعة في العمل على المشروعات الصغيرة، وانه يجب ان يقوم الصندوق بتدريب الشباب الذين سيقومون بهذه المشاريع وايضا يتم تدريبهم لمرحلة ما قبل المشروع وخلال اقامة المشروع، بالاضافة إلى ان تكون هناك طريقة واضحة لسير المشروع ومن هنا يمكن الحصول على نتائج تقيس عليها اهمية المشاريع.
ولفتت العنجري الى ان هناك ايضا مشاريع ضخمة موجودة بالقطاع الخاص وبالنسبة لتلك المشاريع الضخمة يجب ان يكون لها مرادف من المشاريع الصغيرة والبلاد تفتقر في الوقت الحالي إلى دراسة واضحة المعالم والى نوع من القياس لحاجة البلد لنوع معين من المشاريع الصغيرة، لأن التوجه الآن الى مشاريع عادية واعتيادية بمعنى المطاعم والمشاغل والصالونات والمكاتب والاعمال التي لا تضيف او لا يستفيد منها صاحب المشروع.
وأشارت الى ان الكويت بلد نفطي وبلد فيه خطة تنمية وخطة بناء وخطط كثيرة يجب ان تتماشى المشاريع الصغيرة مع هذه الافكار ومع هذه المشاريع الضخمة القادمة مستقبلا، وتطوير القطاع النفطي في الكويت وخطة المصفاة الرابعة وخطة حقول الشمال وخطط كثيرة يجب أن تخلق منها مشروعات صغيرة.
وبالنسبة للمساهمة في هذا القطاع النشط، قالت العنجري انها من الممكن أن تقدم دراسة من جهات دولية يتم من خلالها تشجيع المشاريع الصغيرة.
من جانبه قال أمين عام المجلس الاعلى للتخطيط والتنمية د.عادل الوقيان ان صندوق دعم للمشروعات الصغيرة مهم جدا خاصة في جوانب يجب التركيز عليها ابرزها تقديم دراسات الجدوى الاقتصادية والدعم المعلوماتي واللوجستي للمبادرين الصغار.
واوضح ان الدعم المعلوماتي يتمثل في توفير بيانات عن السوق واحصائيات وتوفير المادة العلمية التي بإمكانها ان تساعد في إنجاح المشروع الصغير وتوفير مستشارين متخصصين بالمشروعات الصغيرة وان يكون هناك نوع من الاشراف الدائم على المشروعات الصغيرة من خلال خبير يقوم بمد يد الحاجة للمبادر.
كذلك ضرورة التركيز على أهمية انجاز جميع اجراءات تراخيص المشروعات الصغيرة بأقل وقت وجهد لأن ذلك من شأنه أن يضيف قيمة عالية، لكن إذا كان دور الصندوق هو مجرد تقديم الدعم المالي فقط دون تقديم أي خدمات أخرى للمبادرين فلن يكون له دور من الأساس وسيكون كآليات التمويل الحالية الموجودة بالسوق.
وقال الوقيان ان الفترة الذهبية ستكون السنة الأولى من تطبيقه وإذا اثبتت نجاحات سريعة ومشاريع وصلت الى النور واستطاعت ان تبدأ في التشغيل وخلق تدفقات مالية للمبادر بحيث انه سيطمئن الى أن هذا المشروع سيستمر، فإن ذلك سيكون بالفعل نقطة تحول في تشجيع المشروعات الصغيرة، لكن إذا كانت البداية ضعيفة ولن تكون هناك نتائج واضحة فإن الثقة بالمشروعات الصغيرة قطعا ستهتز.
من جهة اخرى قال الخبير والباحث الاقتصادي عامر التميمي ان الصندوق الملياري يجب ان يركز على المواضيع التي فيها جدوى اقتصادية، بمعنى ان هناك مشاريع كثيرة الآن بشركات متخصصة تمولها مثل شركة المشروعات الصغيرة ومحفظة بنك الكويت الصناعي ويوجد كثير من المشاريع الصغيرة، لكن مشكلة هذه المشاريع ان جميعها متشابهة ووصلت لدرجة التشبع ولم تخلق قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد الوطني.
وبيّن ان تلك المشاريع لم تساهم في مشكلة توظيف العمالة الوطنية في القطاع الخاص كونها تعتمد على العمالة الوافدة، وبعضها على سبيل المثال عيادات او مطاعم او مقاه ولا تقدم شيئا جديدا.
وشدد التميمي على ان من المهم ان يساهم الصندوق في خلق مشاريع تعتمد على رأس المال أكثر من العمالة ويكون فيها مجال لتوظيف العمالة المؤهلة تعليميا ويركز على توظيف العمالة الوطنية ويستفيد منها ايضا من التقنيات الحديثة في دعم المشاريع الصغيرة.
ولفت الى انه يجب وضع استراتيجية واضحة للصندوق ويجب ان يعتمد على خبرات محلية ودولية ليستفيد من طريقة تمويل هذه المشاريع وفي الوقت نفسه دراسة المشاريع القائمة لمعرفة المشاريع المجدية وغير المجدية، لذلك يوجد اكثر من محور لابد من اعتماده في الصندوق.
وقال التميمي انه من المفترض ان يحفز الصندوق المبادرات الخاصة وفي الوقت نفسه يحفز العمل بالقطاع الخاص لان معظم المشاريع الصغيرة مملوكة من قبل وافدين او يديرونها مثل البقالات وورش الحدادة وورش تصليح السيارات وورش الصيانة، لافتا الى ان الادارة المركزية للاحصاء ذكرت ان 85% من المشاريع والمؤسسات القائمة بالكويت هي مشاريع صغيرة.
وبدوره قال الرئيس التنفيذي ونائب رئيس مجلس الادارة في شركة شراع لتطوير المشاريع الصغيرة داود معرفي ان الصندوق الكويتي لدعم المشاريع الصغيرة يعد مجهودا مشكورا من جانب الحكومة ومجلس الامة ولكنه لم ير النور بعد، مبينا ان الصندوق في حد ذاته يعكس الاهتمام بدعم الشباب ومشاريعهم.
ورأى معرفي انه برغم ان الوضع السياسي بالكويت يشهد ازمات من وقت الى آخر الا انه حان وقت الانجاز على المجلس الجديد ومن المفترض عليه ان ينتج في شكل صحيح، مشيرا الى ان هناك اعضاء في المجلس دائما تستعجل في إصدار القوانين بشكل سريع وغير مدروس.
واضاف ان مثل هذا الصندوق كمثل قوانين اخرى تسرعت فيها الحكومة في اصدارها، لكن مشكلة الصندوق انه لم يكشف ويسمع آراء الشباب واصحاب المشاريع الصغيرة الذين هم في القطاع نفسه ولا يعرفون كيف يتم التصرف في تلك المشاريع والسبب هو الروتين الحكومي والبيروقراطية.
وشدد معرفي على ان اصحاب المبادرات لا يريدون فقط الدعم المالي ولكن يريدون الحيثيات الاخرى مثل الدعم الاداري والحسابات ودراسات الجدوى بالاضافة الى الحاضنات، وهناك افكار جيدة خاصة من الطاقات الشابة في الكويت لذا توجد طاقات مهولة.
وزاد معرفي بأن تأسيس الصندوق والسرعة الذي سيتم فيها ستكون بطيئة جدا وانه سيكون مثله مثل باقي الصناديق التي انشأتها من قبل الهيئة العامة للاستثمار والشركات التي تدعم المشاريع الصغيرة، مضيفا ان المشكلة في الكويت ليست التمويل، لان الكويت هي الافضل خليجيا وعالميا بتمويل المشاريع الصغيرة والخدمات التي تقدمها ممتازة لكن المشكلة في طريقة المعرفة عند ادارة هذه الشركات التي تدعم المشاريع الصغيرة.
ولفت الى ان اي مبادر يريد ان يفتتح مشروعا يذهب لافتتاح مطعم مثلا برغم ان السوق متشبع في المطاعم وتوجد اشياء اخرى تحتاجها الدولة اكثر من المطعم ويمكن ان تكون تكلفتها اقل وربحها اعلى لكن غالبا المبادر تفكيره محدود في هذه النوعية من المشاريع.
وطالب الدولة بأن توجه اصحاب المشاريع الصغيرة للقيام على سبيل المثال بتأسيس مصانع للمسامير والكاتشب وابواب الالمنيوم والكويت تحتاج الى مثل تلك الاشياء وتحتاج الى تطوير الصناعة لديها بشكل كبير.
ولفت معرفي الى ان الهيئة العامة للصناعة توفر الاراضي ولكن اصحاب الاراضي يستغلون الوضع بشكل آخر ويستغلون الرخصة التي منحتها لهم الدولة عن طريق تأجير الارض وليست استخدامها للهدف الاساسي منها، لذلك يجب ان تكون هناك رقابة ودعم لقطاع الصناعة.
واضاف قائلا: «اننا مع الحكومة وندعمها ونريدها ان تنجز بهذا القطاع كونه هو الاساسي في الاقتصاد».
وافاد بأن وزير التجارة والصناعة انس الصالح من اول المبادرين في تطوير هذا القطاع ويعرف تماما اهميته وهو له الفضل الكبير على اشهار الجمعية الكويتية للمشاريع الصغيرة وله الشكر في دعم هذا القطاع.